هل تشرعن الدولة اللبنانية السطو على جنى العمر؟

بعد سنوات ست من الانهيار المالي الممنهج الذي عصف بلبنان، تخرج حكومة الرئيس نواف سلام اليوم بمشروع قانون الفجوة المالية. وبدلاً من أن يكون المشروع بارقة أمل لاستعادة الحقوق المنهوبة، يظهر للعيان كأداة لتنظيم الخسائر لا لاستعادتها، وكأنه محاولة أخيرة لمأسسة التبخر المالي الذي تسببت فيه المصارف والدولة ومصرف لبنان بالتكافل والتضامن.
يبرز المشروع وعوداً بإعادة ما يصل إلى 100 ألف دولار لكل مودع خلال فترة زمنية تمتد لـ 4 سنوات. لكن نكتشف أن هذا المبلغ لن يُدفع فوراً، بل سيتم تقسيطه، مما يعني تآكل قيمته الشرائية بفعل الزمن والتضخم. هذه الشريحة الواسعة من المودعين، التي يتم إغراؤها بهذا الوعد، ستجد نفسها في نهاية المطاف قد خسرت جزءاً كبيراً من القيمة الفعلية لودائعها.
أما المودعون الذين تتجاوز ودائعهم عتبة الـ 100 ألف دولار، فهم الخاسر الأكبر. في هذه المعادلة. حيث يقترح المشروع تعويضهم بسندات طويلة الأجل تصل مدتها إلى 10 أو 15 أو 20 سنة، مع عوائد غير مضمونة ومرتبطة بأصول الدولة. النتيجة هنا واضحة حيث سيتم تحويل المودع قسراً إلى ممكّل للخسائر التي لم يتسبب بها أصلاً.
يعتمد المشروع في تحديد حجم الفجوة على تقييم أصول مصرف لبنان وتدقيق أوضاع المصارف (AQR). ومع ذلك، يسود المشروع غموض منهجي فلا يوجد سقف واضح لتقدير الخسائر، وأي خطأ في هذا التقدير وهو أمر وارد جداً في ظل غياب الشفافية سيعني مباشرةً اقتطاعاً أكبر من أموال المودعين لردم هذه الفجوة.
السؤال الأكثر إلحاحاً الذي يتجاهله المشروع هو أين المصارف من هذه الخسائر؟ رغم المسؤولية المباشرة للمصارف عن الهندسات المالية، وتحقيقها أرباحاً خيالية، وتورطها في تهريب الأموال واحتجاز الودائع، إلا أن مشروع القانون لا يحمّل رؤوس أموال المصارف أي مسؤولية مباشرة وواضحة، ولا يفرض مساهمة استثنائية من الأرباح التي جُنيت قبل الانهيار،.ويغيب تماماً أي مسار قضائي جزائي أو مدني يربط توزيع الخسائر بالمحاسبة.
فيتجاهل بشكل مريب استعادة الأموال المحولة أو المنهوبة.
وبشكل يثير الريبة، يلمح المشروع إلى إمكانية استخدام أصول الدولة، وربما حتى الذهب كضمانة غير مباشرة. هذا التوجه لا يعني سوى شيء واحد، وهو المساس بالثروة العامة للأجيال القادمة لحماية نظام مصرفي فاشل، وتحميل المجتمع ككل كلفة الانهيار، مع فتح باب الخصخصة القسرية لمرافق الدولة تحت ضغط سداد الفجوة.
و الخطوة الإيجابية الوحيدة لهذا المشروع، إذا جاز التعبير، هي كسر حالة الجمود والاعتراف رسمياً بوجود الفجوة. لكن خلف هذا الاعتراف تكمن مخاطر جسيمة وهي غياب المحاسبة وتكريس سياسة الإفلات من العقاب وحماية أصحاب المصارف على حساب المودعين الصغار والمتوسطين، وتهديد المال العام وتحويل الانهيار إلى عبء أبدي على الشعب.
فمشروع قانون الفجوة المالية بصيغته الحالية ليس خطة إنقاذ، بل هو صك براءة للمتسببين بالأزمة، و تأبين لما تبقى من حقوق للمودعين.